التفكر والدلالات

حينما رحل أبي، رأيت الناس من حوله يستعدون للرحيل فأدركت ما هي عظة الموت.

ثم أجريت بعدها عملية مؤلمة، شعرت معها بحقيقة أن الإنسان ضعيف مهما بلغت قوته وشدة تحمله.

والآن، حين أتفكر، أجد أن كل إنسان في الحياة مهما درس وسعى للعلم فهو يتخصص في شيء ما...شيئين ربما...ثلاثة على الأكثر...حتى لو عشرة، ففي نهاية الأمر توجد ملايين العلوم والدراسات الأخرى التي يجهلها. فلو تخصص في الهندسة المدنية فقط فهو يجهل التخصصات الهندسية الأخرى، ولو كان عبقريا فدرس جميع فروع الهندسة فهو يجهل الطب والفلك والعلوم...
ولو علمنا شيئا عن كل شيء لبتنا نجهل دقائق وخبايا الأمور. نعم، اكتشفت أن الإنسان جاهل مهما تعلم.

وفي كل مرة اكتشف فيها شيئا، أدرك ضآلة حجمي وأعي تدريجيا أشياء كنت أجهلها عن الله أو ربما أعرفها بالوراثة وليس بالدراسة أو التفكر، أو ربما تفكرت كثيرا من قبل ولم استشعرها حينها بإحساسي، أو ربما كنت أستشعر وجود الله دوما ولكن أجهل أين هي تلك الكلمات التي أسمعها (العظة، عظمة الكون، أن الإنسان لا حول له ولا قوة...) من حياتي.

إلا أنني لازلت حائرة في كثير من الأمور ومازلت أبحث عن إجابات لأسئلة كثيرة، وليدة نفسي، ربما لا أجد لها إجابات شافية.
ولن تهدأ نفسي وتسلم بلا تفسير فأنا أعلم كم هي عنيدة وجامحة ومؤمنة بالمنطق.
ولو كان لابد من أن أسلم بها بلا تفسير فلم خلقنا الله بعقول لنتفكر ونتدبر وأمرنا بالسعي وراء العلم؟! لو أردنا أن نسلم فقط لجعلنا بلا إرادة أو عقل.

إيمان الناس بالموروثات أصبح أقوى من إيمانهم بجوهر الدين ومن رغبتهم في السعي وراء الحقائق والاجتهاد. هم اكتفوا بما وصل إليهم واعتنقوه واشتغلوا بالدنيا وبرروا استسلامهم وتقاعسهم بأنه لا مساس بالدين. وأحدث الاضطراب زعزعة في النفوس الضعيفة، فهي ضعيفة لأنها ورثت الدين ولم تسعى إليه لتؤمن به وتعتنقه، فكانت النتيجة أن احتججنا على الساعي، وليس على ضعيف النفس والمستسلم، وادعينا أنه بذلك يكون الاستسلام للموروثات أفضل!

من يتفكر، يخاف عليه الجميع أن يشذ ويخاف منه الجميع لأنهم ضعيفي النفوس فربما يؤثر على معتقداتهم وموروثاتهم القيمة. ويظل الدين موضوع شائك برغم انه موضوع شخصي، لا يصح أن يتدخل فيه آخرون.


Comments

Popular posts from this blog

حين ألتقت الأعين

Back to Myself

Me and Men