آسف حبيبتي
دخل السيارة وهو في حالة ذهول. أغلق الباب وظل صامتا، ساكنا للحظات، وكأنه لا يعي ما حدث أو ماذا عليه أن يفعل. ثم فجأة، انهمر في البكاء وكأنه لم يعد يستطيع إخفاء مشاعره أكثر من ذلك. انهمرت الدموع من عينيه. علا نحيبه فجأه وكأنه يفرغ شحنة من المشاعر المكبوته.
لا يصدق أنها هي. ذلك الوجه الملائكي الذي طالما طل عليه بابتسامته، تشع منها الحياة والأمل، أصبح شاحبا في لون الموت. أنطبقت الجفون لتطفئ بريق تلك العينين الجميلتين اللتين طالما أحب النظر إليهما. ذبلت تلك الشفاة التي كانت في لون الزهور.
كانت كالجثة الهامدة، لاتتحرك، بلا حياة. لم يلتقيا منذ سنوات...منذ أن أفترقا...إلا انه هرول لرؤيتها حين علم بمرضها. كان يبحث عن حبيبته بداخل ذلك الجسد الممدد على فراش المستشفى. كان يبحث عن تلك الروح التي لازمها لسنوات. لقد عهدها قوية وتخيل أنها ستنتصر على ذلك المرض الخبيث...تخيل انه سيجدها تماما كما افترقا منذ سنوات طويلة.
مر شريط الذكربات امامه وكأنه كان بالأمس. إنه يتذكر حتى أدق التفاصيل، يتذكر حتى ماذا كانت ترتدي في كل موقف لهما معا.
وضع رأسه بين كفيه يحاول التقاط انفاسه بين شهقات البكاء ثم مال برأسه يسندها على نافذة السيارة وهو يشاهد ذكرياتهما معا في رأسه...ثم ابتسم تلك الابتسامة الحزينة. إنه لا يتذكر سوى كل ما أحبه فيها، لا يتذكر سوى كل تلك الأوقات السعيدة التي جمعتهما معا. إنه لا يتذكر الآن كيف تركته، لا يفكر في ذلك الألم المميت الذي خلفته حين رحلت عنه. لا يهم كل ذلك. لم يعد يشعر بتلك الغصة في قلبه جراء ما فعلته به. كل ما يشعر به الآن هو أنه يحبها. كل ما يتذكره هو تلك المشاعر الجميلة اللاتي ما شعر بها مع أحد سواها وتلك الذكريات اللاتي عاشاها معا ويحيا الآن على ذكراها.
وكأن الخيانة والإساءة والألم، وكأن كل ما تخيله سيئا، يخبو وينطفأ بل ويرحل حين ترحل الروح. لا يبقى سوى الحب.
لماذا لم يعي ذلك قبل الآن؟ ليته جاء قبل ذلك ليقول لها أن لا شئ يهم. ليته عاد ليعيش معها آخر أيام لها وهي ماتزال بوعيها مخلفا ذلك الجرح للماضي، ليعيش معها ما تبقى من الحاضر والمستقبل. ربما كان في ذلك ما يخفف عنها ويعينها على محاربة المرض.
نعم، يرحل الأحبة وتبقى "يا ليت" عاجزة، لا تملك إلا جلد الذات. ويبقى الكبر بيننا وبين "يا ليت".
تدحرجت دمعة مثقلة بالآلام من عينه، ثم أدار السيارة ورحل وليس في قلبه سوى الحب.
Comments
Post a Comment