حين ضللت الطريق
لا أتذكر ماذا كنت أفعل قبل هذه اللحظة، لقد رأيت فجأة يداً ضخمة غليظة ممدودةً تجاهي وسمعت صوتاً أجش يقول: "هيا بنا"
نظرت إلى مصدر الصوت فرأيت وجها دميماً، قبيحاً كل القبح، أثار في نفسي مزيجاً غير مفهوم من الرعب والاشمئزاز والتعاطف.
أجبت وأنا أرتعد: "إلى أين؟"
قال: "إلى متاع الدنيا...إلى مباهج الحياة"
فنظرت إلى نفسي ثم رفعت رأسي إليه قائلةً: "ولكنني متسخة"
وتذكرت...تذكرت ماذا كنت أفعل قبل ذلك...تذكرت رحلة طويلة، مرت أمام عيني، من المعاصي والذنوب.
ولم تحملني قدماي فسقطت على الأرض.
مد إلي يده مرة أخرى فنظرت إليها طويلا ثم أشحت عنها بوجهي.
قال: "لا مكان لك هنا. لقد أخترت طريقك منذ زمن"
- "سئمت كل ذلك...لا أريد الذهاب"
-"إلى أين ستذهبين إذاً؟"
أجبت في صوت متحجرش: "إلى الله"
أحمر وجهه فأصبح كالنيران المشتعلة حتى ارتعدت جميع أطرافي ثم صاح بصوتِ يكاد يقتلعني من مكاني:
-"أتظنين أن يقبلك الله بعد كل تلك الذنوب؟" ثم أسقط أمامي ذنبا تلو الآخر حتى تكون في ثوانِ جبلا مهيباً لا أستطيع رؤية قمته من ضخامته وعلوه، وأنا انظر إليه وأرى في ذراته ذنوبي متجسدات...أرى نفسي وكل تلك المشاهد التي عشتها يوماً.
قلت بصوتِ مرتعد ومتردد: "يغفر الله لي." ثم نظرت للسماء مستطرده: "إن الله غفور رحيم."
-"ومن أدراكي أن الله سيغفر لك؟ هل تتركين ما أنت به من نعمة مقابل ما أنت لست موقنةً بحصولك عليه؟ ماذا لو خسرت الدنيا والأخرة؟ ثم لو أنك موقنةٌ بغفران الله، إذا ماذا يضيرك أن تعيشي دنياك ثم تستغفرين ربك لاحقاً؟"
-"ومن يدري أن في عمري غداً؟"
مد يده مرة أخرى قائلا: "أنا أضمن لك ذلك". رأيت على يده حياة صاخبة، وأنوار تتلألأ، وسمعت أصوات الضحك والبهجة. تذكرت أيام الحب وإحساس اللذة الذي يصاحب الخطيئة. تذكرت الهدايا والإحساس بالذات وأنني مرغوبة. كم افتقدت ذلك الإحساس!
هممت لأمسك يده وأذهب معه حتى رفعت رأسي فرأيت ناراً في عينيه، يكاد يمتد لهيبها ليحرقني. ورأيت نفسي في عينيه بين لهيب النيران فشعرت بقلبي ينخلع من بين ضلوعي، أكاد أسمع صوت استغاثة دقاته بين يديّ وفي عينيّ وأسفل قدميّ.
سحبت يدي قبل أن تلمس يده ثم هرعت أجري وأجري بلا وعي مني إلى أين أذهب ودون أن أنظر ورائي، غير مدركة حتى إن كان يطاردني أم أنه قد رحل.
وبينما أنا أحاول التقاط أنفاسي وعلى وشك أن أستسلم، رأيت أمامي مسجداً فهرعت أجر قدميّ ودخلت أختبيء فيه.
في المسجد، أحاول التقاط أنفاسي، ثم نظرت ببطء ورائي وقلبي يرتعد فلم أره. سقطت أرضاً من التعب. بعد لحظات، استجمعت كل ما بي من قوة فقمت وتوضأت وصليت. بكيت كثيراً وأنا أدعي حتى غشيني النوم من كثرة البكاء والتعب.
فتحت عينيّ لأجد نفسي في سريري في غرفتي بالمنزل. ظللت أتأمل حولي للحظات أحاول استيعاب ما حدث أو تذكر ما جرى. نهضت من سريري وسرت نحو النافذة ونظرت منها فرأيت السماء زرقاء، صافية، والشمس قد ألقت بأشعتها على الكون فأضفت عليه الألوان، والطيور تحلق في السماء، والأطفال يلعبون في الحدائق.
نظرت لنفسي فوجدتني نظيفة وقد زالت عني الأوساخ. فرفعت رأسي للسماء وقد اطمأن قلبي ثم ابتسمت.
Comments
Post a Comment