تلك اللحظة
استيقظت من النوم على رائحة أبي تملأ المكان كما كنت أشمها دوما وهو يهم بالرحيل من المنزل. نهضت من فراشي وسرت في اتجاه الرائحة، ببطءٍ وحذر، وقدماي ترتعد. خرجت من غرفة نومي، وكلما خطوت تغير المكان حولي، حتى خرجت لحجرة السفرة...إنها ليست سفرة منزلنا. إنه بيت جدتي! أبي يجلس هناك، يقرأ الجريدة من وراء نظارته وهو يتناول إفطاره. تسمرت في مكاني للحظات وأنا أنظر إليه مليا ً. قدماي لازالت ترتعدان، لا تقويان على حملي. جررت قدميّ لأقرب كرسي إليه ثم جلست. تُرى هل أحلم؟! مددت يدي المرتعشة ببطء لألمس يده، وقد سيطرت علي أحاسيسٌ كثيرة مختلطة، ما بين الخوف والدهشة والسعادة والألم. إنه هو. إنها بشرته الملساء الناعمة. سقطت عبرةٌ سريعة، رغما عني، وكأنها أرادت أن تراه وتتأكد من وجوده. بذلت مجهودا ليس بالقليل كي أحفز شفتيّ على التحرك ثم همست متلعثمة: "أبي...خشيت ألا أراك ثانية ً" أمال أبي الجريدة، ناظرا ً إلي من فوقها، ثم ابتسم. كم افتقدت النظر إلي زرقة البحر في عينيه، وكأنها بلا نهاية. كم أتمنى أن أسمع صوت ضحكته المميزة وهي تخلق السعادة في المكان وتبعث الحياة ...