رحلة البحث عن اليقين
أنا أعلم تلك التساؤلات، أعي جيدا تلك الشكوك، أتفهم هذه المحاولات المضنية المرهقة للوصول للحقيقة وإدراك اليقين. كلٌ منا يتوصل بعد المئات وربما الآلاف من المحاولات إلى نتائج مختلفة مما يدفع كلاً منا في اتجاهٍ مختلف. كثيراً منا تستنفذه المحاولات ذهنياً ونفسياً فيقرر أنه لن يصل أبداً، وليستريح من كل هذا العناء يقرر التجرد من كل ما آمن به طوال حياته ويبدأ بداية جديدة. وإن كان القرار ليس سهلاً أبداً إلا أنه يميل لإرضاء النفس وشهواتها والتمتع بكل ما يظن المرء انه ُحرم منه علّه يستمتع بما تبقى من حياته التي يرى أنه أفناها في أوهام...ولأن العمر يمر ونحن في مرحلة على وشك أن نودع فيها الشباب ويدركنا العجز دون أن ندري، يدفعنا الخوف لتصديق ذلك والمُضي في ذلك الإتجاه.
إن التخبط في تلك المرحلة مؤلم وصادم ويحتاج إلى صبرٍ طويلٍ جدا، إلا أن الصبر وحده لا يكفي دون مجاهدة النفس ووساوسها وشهواتها.
ولقد توصلت بعد حرب طويلة مع نفسي ومع المجتمع كله، أنني لن أتوصل أبداً إلى نتيجة بعقلي وحده. فالعقل لن يقودني وحده إلى اليقين مهما حاولت. الأمر في أغلبه يستند على القلب كما ُذكر كثيرا في القرآن أن القلب هو مصدر الإدراك والتفكر والتمعن والإحساس وهو ما نعقل به الأشياء! ولقد كنت دوما أثق في احساسي وما كذبني قط، فكيف أشك فيه الآن؟! حينما تركت الأمر لإحساسي، هدأت نفسي وبدأت تتيقن شيئا فشيئا في كل مرة وفي كل موقف. كل موقف أحلله بمشاعري يُكمل لي جزئاً في طريقي إلى اليقين. في كل مرة أشعر برتياح عجيب بعد مشقة وضلال.
نعم، أعترف أنني أخطأت كثيرا حتى وصلت إلى هذه النقطة وأنني تعمدت تجربة الوجه الآخر حتى أصل إلى نتيجة أنني أرتاح هنا، على هذا الوجه. لو لم أجرب لظللت في شكٍ من أمري فالتجربة خير دليل وهي سبيلي للوصول إلى اليقين.
والآن أصبحت أدرك أن العقل والمنطق لا يكفيان للحكم على الأمور. لا تستهين بالإحساس أبدا مهما بدا الأمر وكأنه لا يستند على حقائق أو قوانين أو أحكام عقلية منطقية فحتى تلك الأشياء كلها نسبية، تختلف من شخصٍ لآخر. إذا ركنت إلى احساس شعرت معه بالراحة والاطمئنان والسعادة، دون شعور بذنبٍ أو خوف، إذاً فهذا هو. فالشعور بالذنب أو الخوف يعني أنك تتبع هوى نفسك وليس احساسك الحقيقي. والفصل بينها ليس بالشيء الواضح الهين.
برغم ذلك أنا أعجز عن شرح ذلك للآخرين، لا أعرف كيف أنقل إليهم ما أعنيه وكيف أساعدهم على تخطي تلك الحيرة دون الوقوع في الفخ. ربما يجب على كلٍ منا أن يمر بتجربته كاملة كي يصل لليقين والراحة. فمهما حاولت، لن يسعهم الشعور بما في داخلي ولن يستطيعوا معايشة الشعور في كل مرحلة مررت بها إلا لو مروا هم بتلك التجربة وشعروا بتلك المشاعر.
يؤرقني عجزي عن مساعدتهم لأنني أعي تماما ما يمرون به وأستشعر كم هو مؤلم.
لا أملك لهم إلا الدعاء بتهوين الرحلة والوصول للحق في النهاية ولو ضلوا الطريق.
Comments
Post a Comment