حديث مع الله
منذ
فترة وأنا أحاول الكتابة إلا أنني لا أجد الكلمات. فبرغم أن بداخلي زخم من المشاعر
المتصارعة والمتناقضة إلا أن الكلمات قد تاهت مني فلا أستطيع التقاطها.
أكتب وأنا مثقلة بالمشاعر الحزينة ونفسي
تتألم وتتوجع ليل نهار. أشكو إليك ربي بثي وحزني. وحدك تعلم كم أثقل الألم
قلبي. وكأن كل يوم هو مولد ألم جديد، لا يهدأ، ولا يكل.
أفتح عينيي كل صباح على كل
ذكرى مؤلمة وكل شعور بالذنب. وأجلد نفسي كل يوم مراتٍ ومرات بلا رحمة ولا هوادة حتى
أنهكني الألم وأعيتني الجروح.
وتنهش الأسئلة رأسي وكأنها تتغذى على أعصابي
ومشاعري.
وأنا ألجأ منك إليك كي تشفق على وترحم ضعف
قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس.
أنا أعرف ربي أني قد ظلمت نفسي إلا أنني
أطمع في غفرانك فرحمتك أوسع من ذنوبي.
من أنا؟ أنا نكرة. أنا لا شيء. أنا عبدك
الذليل إليك.
هل هنت عليك ربي؟ وأنت الأحنّ علي.
هل لازلت تحبني؟ أم تخليت عني؟ ولمن تتركني؟
ربي إن الألم يمزق نفسي ويحرق قلبي مراتٍ ومرات في كل لحظة في يومي. هل تحملني ربي ما لا طاقة لي به؟
هل غضبت علي؟ ألذلك استرددت نعمك علي؟ ألأنني
لا أستحق؟
حقاً ربما لم أرعاها حق رعايتها.
فهل لي بفرصةٍ أخرى وأنت الرحيم؟ هل تشملني
برحمتك؟
أين كل هذا الحب؟ أين الحنان والاهتمام؟ أين
كل تلك الوعود؟ كيف هان كل شيء؟ ألم تشفع المشاعر واللحظات الحلوة؟ أهو ظن السوء؟
أهو الغدر؟ أم أن كل ذلك لم يكن سوى وهماً صدقته نفسي الساذجة؟ مهما ظننت أنني أفهم
خفايا البشر يتضح لي جهلي وغبائي.
هل استحققت ذلك حقا؟ أنا لا أستطيع أن أرى
إلا تحت قدمي يا إلهي فأنر بصيرتي لعلي أصبر على ما ابتليتني به.
حتى سهر الليالي والسعي في العمل لم يسفر
سوى عن الحسرة.
في أيامٍ قليلة، وجدت نفسي مجردة من كل سعادة
وكل أمل. كل نعمة أغريتني بها زالت ولم يتبق في نفسي سوى الألم والجروح والحسرة
والندم.
وكلما جاهدت نفسي أن أتخلص من كل تلك
المشاعر السلبية وأنقي قلبي منها، تتجدد مرة أخرى أعنف وأقوى وكأنني لن أتخلص منها
أبدا، وكأن الألم لا نهاية له.
وأنام كل ليلة وقلبي مثقل بكل تلك المشاعر
القبيحة الذميمة وأنا من عاهدتك ربي ألا أبيت وفي قلبي غلٌ لأحد حتى تدخلني الجنة
بذلك.
ماذا أفعل ربي حتى تعينني على الوفاء بعهدك؟
أبكي إليك ربي في كل لحظة من يومي حتى جفت
عيناي وأدماها البكاء. ألم تعد تحبني؟ هل انقطع الوصال الذي كان بيننا أم إنني أنا
التي اختلقته منذ البداية؟
لمن ألجأ إلا إليك؟ لم يعد لي أحدٌ سواك ولم
يكن لي يوماً سواك.
اشتقت ربي إلى رضاك. اشتقت إلى حنانك علي واحتوائك لضعفي ونقصي. ألا ترضى عني؟
ربي، إن روحي تحتضر. أخشى أن كل ما آمنت به
يوما يموت ويرحل. أخشى أن يجد الشيطان إلى نفسي التي أعياها الألم والحزن منفذاً، وأخاف أن تستسلم روحي لسالب روحي. أنا أصارعه وحدي يا الله وأنا مسلوبة الروح
ومنهكة القوى، أحارب يأسي. فماذا لو تمكن اليأس مني؟ لم تعد بي أي طاقة للمقاومة
بعد أن جلدت ذاتي فمزقت كل ما كان متبقياً منها. ألا تعينني على أمري؟
حتى لساني عجز عن الكلام فلم أقوى على البوح
بما في نفسي لأحدٍ سواك. ألا تجيبني؟
لقد ُظلمت ربي وُذلّت كرامتي، وأنت ناصر
المظلوم ومجيب دعاءه. أنصفني وانصرني يا رب ورمم كرامتي.
إنها ليست المرة الأولى ووحدك تعلم كم قاسيت
من قبل. مرت فترة طويلة، قاسية، مؤلمة، وموجعة إلى أقصى حد، لم أصدق حتى أنها مرت أو
كيف مرت، فلم ألبث بعدها إلا قليلاً قبل أن تتكرر الآلام والأوجاع. وكنت قد ظننت ربي
أنك تعوضني وتنعم علي بتلك السعادة التي لم تدم ألا أياما معدودة. هل أهدرتها أنا
بحماقتي؟ أم أنني لم أدرك بعد الحكمة وراء كل ذلك؟ أم أنها التجربة التي تجعلنا
نرى كل شيء في الحياة بشكل مختلف، ونواجه حقيقة أنفسنا، ونتقرب أكثر إلى الله،
ونتفهم ونتدبر معاني كثيرة كنا نمر عليها دون أن تستوقفنا؟
لقد بت أرى ما فعلت بعينٍ أخرى. حتى الآيات
التي قرأتها مئات المرات، اكتشفت لها معانٍ لم أكن أدركها إلا حين قرأتها الآن من
واقع تجربتي وآلامي. وكأن الله رفع غشاوة كانت على عيني في السنوات الأخيرة لم أعي
متى جاءت ولم. متى تغيرت كل هذا التغير؟!
وباتت كل كلمة في الصلاة لها معنى يحرك خلجاتي.
وتحققت دعوتي إلى الله لسنوات أن أخشع في صلاتي وأتفكر في كل كلمة وحركة وأن تحرك
داخلي تلك المشاعر الموجودة بداخلي تجاه ربي.
إلا أن الصبر موجع. فكل لحظة تمر كأنها دهرٌ من الألم. ألا تلهمني الصبر ربي وتجعلني من عبادك الصابرين الذين تكافئهم على
صبرهم بما لم يتوقعوا. لطالما أنعمت علي ربي بما لم أتوقع.
ما بين أملٍ ويأس بين آونةٍ وأخرى. فلقد
توكلت على الله وفوضت أمري إليه وأنا أعلم انه سيرضيني ويخفف عني ويسعدني. أعلم
انه يدرك ما في نفسي أكثر مني، وسيلبي لي حاجتي، وسيرفع مقته وغضبه عني، وسيرأف بي
فلن يهون عليه انكساري. فأنا على يقين أن إحساسي بالأمل هو منه وانه يبشرني بما
ينصرني ويثلج صدري، وانه سيلبي دعوتي ولن يردني خائبة مهما طال الوقت وصور لي
الشيطان غير ذلك. أنا اشعر أن فرجه قريب وأن ما تمنته نفسي سوف يأتي ذاعناً ليرد
كرامتي ويرفع الظلم عني ويضمد جراحي. فأنا على ثقة أن الله يحب أن يراني سعيدة.
سأستمر في صراعي مع هوى نفسي مهما صعب علي ذلك...منذ متى وأنا استسلم وأذعن
لليأس؟! أين الإصرار الذي يتحاكى الجميع عنه؟!
ترى هل هو هوى النفس أم وسوسة الشيطان؟ وما
الفرق بينهما؟ أم أن الشيطان يستغل هوى النفس لينفذ من خلاله؟ أم إنها الحرب مع الاثنين
معا؟ كم سيكون ذلك قاسيا وشاقا!
إلا أن مع ربي سيهدين وأعلم من الله ما لا
تعلمون.
Comments
Post a Comment