انتظر أيها الموت

أبي...
أحاسب نفسي كل يوم، كل ليلة، بل أحيانا عدة مراتٍ في اليوم. ترى ماذا كان بإمكاني أن أفعل للحيلولة بينك وبين الموت؟

تنهش الأسئلة والاحتمالات رأسي بلا هوادة: 
ماذا لو أسرعت أهرول من العمل دون أن أغلق الشبابيك؟
 ماذا لو ذهبت إلى المستشفى دون أن أحاول الاتصال بها أولا؟
 ماذا لو لم أبحث عن ركن للسيارة وتركتها في أي مكان بالشارع؟
 ماذا لو تعجلت الطبيب الذي سلم عمله قبل الذهاب معي؟
 ماذا لو أسرعت بالسيارة وقدت بجنون كي أصل بسرعة إليك؟
 ماذا لو قمت بعملية التنفس أقوى مما فعلت؟ 
احتمالات لن أعلم أبدا عن ماذا كانت ستسفر. 

تمزق الأسئلة قلبي وكأنني كان بيدي أن أحول بينك وبين الموت فتوانيت عن ذلك. ظننتك متعب قليلا ولم أتخيل أبدا أن ترحل. وكأنني لا أعي معني رحيلك برغم تفكيري في الموت والخوف منه كل لحظة في يومي. أتعذب كثيرا.
كيف لي أن أعرف السيناريو الآخر؟ كل دقيقة ربما كانت لتحدث فرقاً.

استرجع كل لحظة، منذ أن استنجدت بي أمي حتى رحلت، مئات المرات. وأسأل نفسي ترى ماذا كان بإمكاني أن أفعل؟
تقول أمي أن الأمر لم يستمر إلا للحظات وأنه القدر الذي لن نستطيع منعه مهما فعلنا إلا أنني لا أعرف كيف أتخلص من ذلك الإحساس بالذنب ولا أدرك كيف أبعد تلك المشاهد والأسئلة عن رأسي.

هل شعرت بي؟ هل رأيتني؟ هل أدركت أنني جئت بالطبيب؟ هل عرفت أنني حاولت؟
لو تجيبني فقط بنعم لارتحت.
حتى عندما أخبرنا المسعف أنك رحلت، كنت أظن أن هناك أمل أن تعود وأنك لم ترحل بعد.
أنا أصلا لا أعي أنك رحلت. كيف رحلت هكذا؟! أنا لم أودعك بعد يا أبي.

كيف لن أشم رائحة عطرك وهي تعبئ المكان بعد خروجك؟ كيف لن أصلي وراءك الفجر والمغرب في رمضان ونؤمّن وراءك الدعاء؟ كيف لن أجدك على الكنبة تشاهد مباريات الكرة حين أفتح باب الشقة؟ كيف لن أُقبّلك قبل النوم؟.....
وحشتني رائحتك وملمس بشرتك. افتقدت تعبيراتك ودعاباتك وصوتك.

الصور متحجرة...لا تتحرك. 
أتمنى لو جئتني ولو للحظة...فقط مرة واحدة حتى لو لم تقل شيئا. ستعني لي تلك الزيارة الكثير.
أنا في انتظارك يا أبي...لعلك تأتي.


Comments

Popular posts from this blog

حين ألتقت الأعين

Back to Myself

Me and Men