العالم الآخر
لم أعد كما أنا. فقدت حماسي تجاه كل شئ. لم أعد أقوى على العمل ولم تعد عندي رغبة في القيام بأي شئ مختلف بعد أن كنت لا أبقى على حالٍ واحدٍ لمدة ساعاتٍ قليلة.
لم أعد أشم رائحة أبي منتشرة في المنزل بعد مغادرته وقريبا ستخبو تلك الرائحة من دولابه ولن أشمها أبدا. أحيانا يصعب علينا إدراك الحقائق، خصوصا المؤلم منها.
أستمع إلى ما كان يحبه من أغانٍ وأتذكر تعليقاته. تمر برأسي الكثير من الذكريات والمواقف والمشاهد، ولا أصدق أنها أصبحت ذكرى.
وأبعد عن رأسي الفكر كلما دنا حتى لا يعصرني الألم.
أدركت كم أنا ضعيفة حينما قمت بتلك العملية. وجدتني هشة. كنت مريضة، متألمة، خائفة، لا حول لي ولا قوة.
الآن أدركت معنى الخوف. أنا خائفة. أصبحت أخاف من كل شئ لم أكن أهابه من قبل. ماذا حدث لي؟
وأخاف كثيرا على أمي.
العودة إلى الذكريات تشعرني بالراحة والسكينة. الماضي يبث في نفسي الهدوء. أشتاق إلى أيام الجامعة وإلى أصدقائي. أشتاق إلى صديقي الصدوق الذي لا يفارقني. أشتاق إلى ذلك الشعور الطفولي البرئ. أحن إلى وقت كنت فيه متأججة بالحيوية والأمل. أحن إلى تلك الأيام التي كانت فيها جدتي وأبي وكل من أحببت على قيد الحياة.
ولا أدري متى مر كل هذا العمر!
إلا أنه مر...
ولكنه خلف وراءه أجمل الذكريات...الحمد لله.
كم سأفتقد ملمس بشرته وتعليقاته ورائحته ووجوده معنا. أقصى ما وصل إليه العلم الحديث أن خلّف لنا صوره وصوته.
من يدري ماذا ُيكتشف غدا، فجدتي لا نملك لها إلا صورا فقط.
أصبح الموت كابوساً أكثر رعبا بالنسبة لي، يصّدع شعوري بالأمان والطمأنينة. وأصبحت أتمنى الرحيل، أكثر من ذي قبل، قبل أن يرحل الأحبة...وربما فضول أيضا لمعرفة العالم الآخر، إلى أين نذهب؟ وكيف نشعر؟ كيف يمر الوقت؟ هل نقابل من رحلوا قبلنا؟ هل نشعر بأي مشاعر؟ ما هو شكل الحياة الآخرى؟ هل نرى ملائكة؟ هل نرى الله؟ هل نرى أنفسنا أصلا؟ هل نراقب من هم في الدنيا؟ هل نزور أهلنا دون أن يشعروا؟ هل نشعر نحن بهم؟....
أسئلة لا حصر لها...ولا جواب أيضا.
إنما نختار أن نصدق ما يريحنا من أجوبة.
ليت أبي يعرف كم أفتقده! أتمنى لو كان يشعر بمشاعري تلك... من يدري!
Comments
Post a Comment