وداعا أبي
لا أدري كيف أتحمل كل هذه الآلام. أين أهرب من كل تلك الذكريات؟
ستة وثلاثون عاما من الذكريات في مختلف الأماكن. رحلة عمري كله شاركتني فيها. شاهدتني وأنا أكبر وحضرت معي كل فرحة وعاصرت كل دمعة.
ماذا أفعل الآن؟ هل أتطلع إلى كل صورنا معا كلما أفتقدتك؟ وكيف لي أن أستشعر مرة أخرى ملمس بشرتك الناعمة حين أقبلك؟ ماذا أفعل حين تشتاق أذناي لسماع نبرة صوتك؟ ولو أردت منك أن تضمني بعد فراق، كيف أسترجع دفء ذلك الحضن؟
لقد عشنا حياة طويلة معا. رأيتك شابا صغيرا تصطحبنا من المدرسة كل خميس لنمر على بائع العصير في طريق العودة فكان يوم عيدٍ لنا، وتمر الأيام وتتسسلل بعض الشعيرات البيضاء إلى رأسك ليصبح رماديا فأحببت ذلك اللون الجديد، ثم جرى العمر وأبيض شعرك كله وأنا في غفلةٍ من الوقت.
أتصفح الصور فأرى العمر أمامي قد جرى مهرولا... أنت في مراحل العمر المختلفة، إلا أنك كما أنت، نفس الضحكة. هل سأضحك مرة أخرى بعد أن رحل صاحب الروح المرحة، مُلقي الدعابات؟
ويصعب على نفسي أن تدرك كيف ستطأ قدماي تلك الأماكن مرة أخرى وأنت لست معنا.
كم هو مؤلم أن تنقص الصورة شخصا في كل مرة، بدئا من جدتي ثم أنت. لن تكون هناك أي صورة عائلية كاملة بعد الآن. ستظل دائما الصورة ناقصة.
كانت عندي خطط لنا معا لم يمهلني الوقت كي أنفذها. كل الأحلام الكبيرة التي طالما حلمت بها، لن تشهدها معي.
أين أنت الآن؟ ماذا تفعل؟
يا ليتك تكون سعيدا، كما كنت في الحياة وأكثر. أتمنى أن تكون مع الناس الذين أحببتهم وألا تكون وحيدا.
أتمنى أن يأتي طيفك بين حينٍ وآخر ليثلج صدري ويهون من آلام الفراق والبُعد.
ما عاد الوقت يحمل في طياته سوى الألم فكيف أعتاد عدم وجودك وأنت في كل ركنٍ بالبيت؟
كنت أعلم أن الموت هو الأكثر إيلاما لذلك ما خشيت شيئا سواه حتى بات مُعذبي ليل نهار.
أحدثك يا أبي كل ليلة، فهل تسمعني؟ وأرى وجهك في ضوء القمر يبتسم. وتزورني الذكريات في كل وقت وفي أي مكان.
أفتقدك لدرجة يصعب على الكلمات شرحها ويعجز اللسان عن وصفها.
ولا أعلم إن كنت سأعي يوما أنك رحلت أم سيظل عقلي رافضا وقلبي ممزقا ما بقى من العمر.
Comments
Post a Comment