حوار مع عزرائيل
تجلس منحنية الرأس، دامعة العينين، وعلى وجهها ذهولٌ عميق. تسمع صوت أقدام، فترفع رأسها ببطءٍ شديد وكأنها ترفع أثقالا. جف حلقها من هول الصدمة، وتسمرت في مكانها إلا أنها لم تستطع أن تحيد بنظرها عنه.
بعد فترة من الصمت كانت تحاول فيها جذب صوتها من الأعماق، همست:
لِمَ؟
أجاب بصوتٍ يبدو عليه التأثر، على خلاف المتوقع منه:
هذا واجبي.
تدحرجت دمعة من عينيها وهي تسأل:
إلى أين أخذته؟
أجاب بنبرةٍ صادقة:
مهمتي تنتهي عند مفارقته الحياة.
تنهمر الدموع من عينيها وهي تنظر إلى لا شئ، فهي حتى لا تنظر إليه، وكأنها تنظر إلى عالمٍ آخر ثم قالت:
لكنني لازلت أراه. لم أعي بعد أنه قد رحل. حتى مرور الوقت لا يهون بقدر ما يؤلم، ففكرة أننا سنعتاد غيابه مؤلمة في حد ذاتها. وماذا أفعل مع ضميري؟ فهو يؤنبني على كل صغيرة وكبيرة مرت بيننا حتى ما لم أظنه تقصيرا مني حينها. وكلما تجاهلت انه قد رحل، تؤرقني نفسي بشئ أجهله...فلا أنام مع أنني أطرد كل فكرة توشك أن تمر بخاطري. وأظنني فقط أؤجل الألم فهو لن يرحل. كلما لمحت عيناي صورةً له، نغز الألم قلبي فأشحت النظر كي لا أراها.
ظل هو واقفاً، صامتاً، مطأطئ الرأس، لا يتحرك.
فسألته:
متى ينتهي الألمُ؟
هز رأسه بنفي من لا يعلم.
قالت:
كنت أخشى رؤيتك. ظننتك قبيح. ربما ما أخافني حقا تخيلي أنك بلا مشاعر.
ارتسم الأسى على ملامحه وكأن ذلك العمل المكلف به قد أثقل كاهله وأصبح ثقيلا على نفسه.
مرت لحظات من الصمت إلا أنه لم يرحل ولم يقل شيئا.
رفعت رأسها إليه في عجبٍ ثم سألته:
لكن...كيف أراك و...؟
صمتت وكأن الإجابة ومضت في رأسها فاستوقفتها. ورأتها...تلك الشفقة في عينيه. فابتسمت ثم تغيرت نبرتها فخرجت وقد كستها الثقة:
ولكنني لا أخاف.
Perfect :(
ReplyDelete