حين عادت

استيقظت على نداءات، تشبه حروف أسمي، آتيةً من بعيد. أفتح عينيّ تدريجياً نافضةً عنها النوم لأرى صورتها تتبلور أمامي ثم أتسمر في مكاني بالفراش محدقةً بكلتا عينيّ.
وهي تبتسم لي ابتسامتها الجميلة المعهودة قائلةً: "صباح النور على البنور"
واتبعتها بنظري وهي ذاهبةٌ لتجلس على كرسيها بجوار النافذة.
جلست في السرير وأنا أطيل النظر إليها محاولةً أن أتبين حقيقة ما أرى وأتأكد أنني صحوت فعلاً وأن ما أراه ليس حلماً.
رأيتها وهي جالسةٌ على الكرسي الهزاز بجوار النافذة تحتسي فنجان القهوة وأشعة الشمس تعكس حبات ذهبها على شعرها الأصفر.
نهضت من السرير واقتربت منها ببطء وعيناي لا تتحول عنها حتى وقفت أمام كرسيها. 
رفعت رأسها إلي قائلةً: "هل أحضر لك الإفطار؟"
جلست عند قدميها وأنا لا ألتفت خوفاً من أن أتحول عنها فتختفي مرة أخرى، وربما لأملأ عينيّ من صورتها وأعبأ أنفي برائحتها العطرة.
مرت فترة ولساني عاجزٌ عن النطق. أمتع روحي فقط بالجلوس إليها. خشيت أن أتكلم فتفسد الكلمات نقاء الجو من حولها.
وأخيراً تحرك لساني ليعبر عما يفيض به قلبي: "وحشتيني"... وكأنها صعدت من مشوار طويل داخل أعماق نفسي.
ابتسمت فنشرت ابتسامتها عبير الأمل في قلبي ثم سألتني: "هل أحكي لكي حدوتة؟"
أجبت بكل حماس وبلا أدنى تردد: "طبعاً...كم اشتقت إلى حكاياتك!"
وبدأت تحكي....
ومرت الساعات وكأنها ثوانٍ معدودة...وهي تحكي...وأنا أستمتع بكل لحظة.
والشمس تسحب آخر خصلاتٍ لها على الأرض قبل الرحيل.
وأظلمت الدنيا. وفتحت عينيّ فلم أجد إلا ظلام الليل من حولي وأنا نائمةٌ في الفراش. وشعرت بقلبي يتنهد في جوفي. وساد الصمت.
وتدحرجت دمعة رقيقة من مقلتيّ لتبلل الوسادة من تحتي.
كم أفتقدك يا جدتي!


Comments

Popular posts from this blog

حين ألتقت الأعين

Back to Myself

Me and Men